|
الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج الحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة» وتلا ابن عمر {يوم تشقق الأرض عنهم سراعًا} الآية.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وما أنت عليهم بجبار} قال لا تتجبر عليهم.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وما أنت عليهم بجبار} قال: إن الله كره لنبيه الجبرية، ونهى عنها، وقدم فيها، فقال: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}.وأخرج الحاكم عن جرير قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل ترعد فرائصه، فقال: «هوّن عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء» ثم تلا جرير {وما أنت عليهم بجبار}.وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويتبع الجنائز، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، ولقد كان يوم خيبر ويوم قريظة على حمار خطامه حبل من ليف وتحته اكاف من ليف.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا، فنزلت {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}. اهـ.
ثم قال جلّ ذكره: {وَنُفِخَ في الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ}.سائقٌ يسوقها إمّا إلى الجنة أو إلى النار، وشهيدٌ يشهد عليها بما فعلت من الخير والشرِّ.ويقال له: {لَّقَدْ كُنتَ في غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حِدِيدٌ}.المؤمنون- اليومَ بَصَرُهم حديد؛ يُبصرون رُشْدَهم ويحذرون شرَّهم.والكافر يقال له غدًا: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} أي: ها أنت عَلِمْتَ ما كنتَ فيه من التكذيب؛ فاليومَ لا يُسْمَعُ منكَ خطابٌ، ولا يُرْفَعُ عنكَ عذابٌ.قوله جلّ ذكره: {وَقال قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ}.لا يَخْفَى من أحوالهم شيءٌ إلى ذُكِرَ، إنْ كان خيرًا يُجَازون عليه، وإن كان غير خيرٍ يُحَاسَبونَ عليه: إِمَّا برحمةٍ منه فيغفر لهم وينجون، وإمَّا على مقدار جُرْمِهم يُعَذَّبون.{أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ}.منَّاعٍ للزكاة المفروضة.ويقال: يمنع فَضْلَ مائِه وفَضْلَ كَلَئِه عن المسلمين.ويقال: يمنع الناسَ من الخيرِ والإحسان، ويسيءُ القول فيهما حتى يُزَهّدُ الناسَ فيهما.ويقال: المناعُ للخير هو المِعْوانُ على الشَّرِّ.ويقال: هو الذي قيل فيه: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7].{مُرِيبٍ}: أي يُشَكِّكُ الناسَ في أمره لأنه غير مخلص، ويُلَبِّسُ على الناس حالَه لأنه منافق.قوله جلّ ذكره: {قال قَرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ في ضَلاَلٍ بَعَيدٍ}.يقول المَلَكُ من الحَفظَةِ المُوَكَّلُ له: ما أَعْجَلْتُه على الزَّلَّة.وإنمنا كَتَبْتُها بعدما فَعَلَها- وذلك حين يقول الكافر: لم أفعلْ هذا، وإنما أعجلني بالكتابة عليّ، فيقول المَلكُ: ربَّنا ما أعجلته.ويقال: هو الشيطانُ المقرونُ به، وحين يلتقيان في جهنم يقول الشيطانُ: ما أكرهته على كفره، ولكنه فعل- باختياره- ما وسوسْتُ به إليه.فيقول جلّ ذكره: {قال لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ وَمَآ أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}.لا تختصموا لديَّ اليومَ وقد أَمَرْتُكم بالرُّشْدِ ونَهَيْتُكم عن الغَيّ.قوله جلّ ذكره: {يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقول هَلْ مَن مَّزِيدٍ}.{نَقول لِجَهَنَّمَ} {وَتَقول}: القول هنا على التوسُّع؛ لأنه لو كانت جهنم ممن يجيب لقالت ذلك بل يُحْييها حتى تقول ذلك.{هَلْ مِن مَّزِيدٍ}: على جهة التغليظ، والاستزداة من الكفار.ويقال: بل تقول: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ}: أي ليس فيَّ زيادة كقوله عليه السلام لمَّا قيل له:يومَ فتح مكة: هل ترجع إلى دارك؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل دارًا»؟! أي لم يترك، فإن الله- تعالى- يملأ جهنمَ من الكفارِ والعصاةِ، فإذا ما أُخرِجَ العصاةُ من المؤمنين ازدادَ غيظُ الكفارِ حتى تمتلىء بهم جهنم.قوله جلّ ذكره: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}.يقال: أنَّ الجنَّةَ تُقَرَّبُ من المتقين، كما أَنَّ النّار تُجَرُّ بالسلاسل إلى المحشر نحو المجرمين.ويقال: بل تقرب الجنة بأن يسهل على المتقين حشرهم إليها وهم خواص الخواص.ويقل: هم ثلاثةُ أصناف: قوم يُحْشَرون إلى الجنة مشاةً وهم الذين قال فيهم: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر: 73]- وهم عوام المؤمنين وقوم يحشرون إلى الجنة ركبانا على طاعاتهم المصوَّرة لهم بصورة حيوان، وهم الذين قال فيهم جَلَّ وعلا: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلَى الرَّحْمَانِ وَفدًا} [مريم: 85]- وهؤلاء هم الخواص وأمَّا خاص الخاص فهم الذين قال عنهم: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقَينَ} أي تُقَرَّبُ الجنةُ منهم.وقوله: {غَيْرَ بَعِيدٍ}: تأكيدٌ لقوله: {وأزلفت}.ويقال: {غَيْرَ بَعِيدٍ}: من العاصين تطييبًا لقلوبهم.قوله جلّ ذكره: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}.الأوَّابُ: الراجعُ إلى الله في جميع أحواله.{حَفِيظُ}: أي محافظ على أوقاته، (ويقال محافظ على حواسه في الله حافظ لأنفاسه مع الله).قوله جلّ ذكره: {مَّنْ خَشِىَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقْلبٍ مُّنِيبٍ}.الخشيةُ من الرحمنِ هي الخشية من الفراق (والخشية من الرحمن تكون مقرونة) بالأُنْس؛ ولذلك لم يقل: من خشي الجبَّار ولا من خشي القهَّار.ويقال الخشية من الله تقتضي العلم بأنه يفعل ما يشاء وأنه لا يسْأَلُ عمَّا يفعل.ويقال: الخشيةُ ألطفُ من الخوف، وأنها قريبةٌ من الهيبة.{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ}: لم يقل بَنَفْسٍ مطيعة بل قال: بقلبٍ منيب ليكونَ للعصاةِ في هذا أملٌ؛ لأنهم- وإن قَصَّروا بنفوسهم وليس لهم صِدْقُ القَدَمِ- فلهم الأسفُ بقلوبهم وصدق الندَّم.قوله جلّ ذكره: {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}.أي يقال لهم: ادخلوها بسلامةٍ من كل آفةٍ، ووجودِ رضوان ولا يسخطُ عليكم الحقُّ أبدًا.ومنهم مَنْ يقول له المَلَكُ: ادخلوها بسلامٍ، ومنهم من يقوله له: لكم ما تشاؤون فيها- قال تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}.لم يقل: (لهم ما يسألون) بل قال: {لَهُمُ مَّا يَشَاءُونَ}: فكلُّ ما يخطر ببالهم فإنَّ سؤلَهم يتحقق لهم في الوَهْلة، وإذا كانوا اليوم يقولون: ما يشاء الله فإنَّ لهم غدًا منه الإحسان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}: اتفق أهل التفسير على أنه الرؤية، والنظر إلى الله سبحانه وقومٌ يقولون: المزيد على الثواب في الجنة- ولا منافاة بينهما.قوله جلّ ذكره: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطَشًا فَنَقَّبُواْ في الْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ}.أي عْتَبِروا بالذين تَقَدَّموكم؛ انهمكوا في ضلالتهم، وأَصَرُّوا، ولم يُقْلِعوا.. فأهلكناهم وما أَبْقَيْنَا منهم أحدًا.
|